بقلم: سامر منصور في 4/5/2022
الأمطار والرياح الباردة في خارجه ، فقد أمطرت لوحاته وجداننا بحزن وشجن أزاح أمطار الخارج عن ذاكرتنا ، أمطرتنا لوحاته بأطياف أحداث عاشتها البشرية تلوح لنا عبر تلك النوافذ السحرية التي أكسبها كلٌّ من اللون " الذهبي " وتداخله مع الأبيض ليعبر عن التوهّج في مواضع مدروسة ، بالإضافة إلى هالات " الاعتام " ، إحساساً بأبعاد ميتافيزيقية . تظهر في جُلِّ اللوحات جموع تحتفي أو تسير أو تحتشد أو تأتلف أو ربما تجتمع لتحلَّ خلافاً ما وتعالج أزمة ما . الهام أنها جموعٌ تتفاعل في أحزانها وأفراحها ، حول واقعها وحول معتقداتها و" قُدّاساتها " .
لا مكان للفرد في لوحات مخول إلا في صيغته التفاعلية ووفق علاقته مع الآخر ، وهذا دليل على استشعاره لأهمية الروح الجمعي للجنس البشري وهي مسألة شكلت محوراً لدى كبار الأدباء والفنانين والمبدعين على مرِّ العصور ، إن استحضار الروح الجمعي لا يلغي خصوصية بعض العناصر البشرية الظاهرة في لوحاته ، فالانحناء بالرأس او الجسد أو وضعية الجلوس مع طاقة الإيحاء التي تبثها ألوانه كـ " شيفرا " لا تستطيع الكلمات القبض على تفاسيرها ولكن تستطيع الروح تحسس معانيها ، كل ذلك يجعلنا نستشعر حالة فرد هنا وآخر هناك بالإضافة لما ترهص لنا به مشاهد الجموع .
إن لوحات الفنان موفق مخول قادرة على هدم المكان الذي تُعرض فيه ، حيث يصعب رؤيتها كلوحات مسطحة مستلقية على الجدران ، فكل لوحة مكونة من عدة طبقات تشكلها سحرية وعبقرية " لونية " في توظيف لحالات " الضوء والعتم " ، مما يجعل اللوحات أغواراً وأنفاقاً تخترق نسيجي الزمان والمكان وتنقلنا إلى عوالم وأحداث نشعر بجلالها وتفاعلات شخوصها رغم أنها مبهمة التفاصيل ، فإن كان تعريف السحر بأنه قوة لها تأثير كبير لا يمكن فهمها أو شرحها ولا تخضع للمنطق البشري المعتاد ، فيمكنني أن أقول بثقة أن لوحات المعرض مُشبعة بـ "السحرية " ، وهي متضافرة العناصر الفنية على صعيد التشكيلات والألوان .. إلخ و متلازمة " عبقرية وفطرية " ولعل توزيع عناصر اللوحة يَنشد أن يُصبح فضاء اللوحة فضاء حكاية مألوفة وغامضة ، قريبة وبعيدة في آنٍ معاً ، هذه هي معادلة الجذب التي تجعل لوحات الفنان مخول تستوقفنا أكثر من معظم ما نشاهده في معارض بقية الفنانين التشكيليين في بلدنا .
تضمن معرض " من ذاكرة الروح " ثلاثاً وثلاثين لوحة من أحجام متنوعة غلبت عليها الألوان " الحارة " وفي معظمها ظهر الفضاء " الزمكاني للإنسان " متوهجاً بينما جاء البشر أنفسهم في بعض اللوحات " مُعتمين " بنسبة ما ، أو في جانبٍ ما ، أو من منظورٍ ما .. ولعل في هذا المزيج دلالة على شواغلهم الوجدانية والنفسية ، ولعل آخرين يعزون ذلك لكون الفنان مخول لا يريد للمشاهد أن يركز على " الجسد " بقدر ما يريد لفت نظر المشاهد للتفاعل بين البشر وما يعتمل في الوجدان الجمعي والذي تُعبر عنه الهالات اللونية للبشر التي تكاد تكون مشتعلة وتتمازج فيها بعناية الألوان "الحارة".
وفي تصريحٍ له بين الفنان التشكيلي موفق مخول أن المواد المستخدمة في اللوحات متنوعة حتى على صعيد اللوحة الواحدة ، حيث يستخدم بالإضافة إلى الأكريليك ، الشمع والألوان الزيتية وأردف قائلاً : " ان اللوحة تُنفّذ عبر عدة مراحل و برغم كون البعض قد يحسب اللوحات " أيقونات " دينية ، إلا أنها أيقونات المقدس فيها هو الإنسان ، و كل إنسان في سورية تعرض لكل تلك الأهوال وحافظ على قيمه وسلوكه السوي هو قديس " .
وحول رؤيته الفنية وتجليات اللوحة في خياله قال : " لا أدع عقلي يرسم اللوحة ، بل هو ضيف على اللوحة فأنا أرسمها بعفوية وفطرية ، وبالتالي يأتي النذر اليسير من اللوحة خلال تنفيذها وليس عبر خطة وتصور عقلي سابق على البدء بتشكيلها ".
**********
الفنان التشكيلي موفق مخول :
من مواليد 1958 خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم التصوير له العديد من المعارض الفردية والجماعية إضافة لكونه مؤسس المتحف المدرسي للعلوم أنشأ مكتبة دمشق التربوية التي تضم أكثر من 40 ألف كتاب ومراكز الفنون التشكيلية في وزارة التربية وهو مشرف عام على فريق إيقاع الحياة المؤلف من مجموعة فنانين زينوا دمشق بأكثر من سبع جداريات.
إن إدارة الموقع ترحب بجميع اقتراحاتكم وآرائكم وهي على تواصل دائم مع قراء وداعمين الموقع