بقلم: في 9/1/2024
أما عبروا ؟.. سؤال يأتي عنوانا لديوان الشاعر الفلسطيني سليم المغربي يحتاج لإجابة منه كما كتبت على غلاف الديوان الأخير تماضر عودة ، قبل الدخول إلى الديوان أود أن أتحدث بشيء كان قد حدثني به سليم عن بداياته الشعرية قائلا : كتبت الشعر في سن مبكرة معتمدا على تقليد نظم القصائد العربية إلا أنني لم أكن واثقاً بأنها ناضجة وتستحق أن تظهر ، جمعت أوراقي ذات يوم وذهبت بها إلى شاعر معروف في مدينة غير دمشق وكلي أمل أن يقيم هذه القصائد ويعطيني النصائح التي تخدم موهبتي ، بعد الجلوس معه وتقليبه الأوراق صدمني عندما قال : "وأنت خارج من هنا توجد حاوية عند اول الشارع ضع هذه الأوراق بها واترك هذا المجال " ، كان هذا الكلام صدمة قاسية جعلتني أترك الشعر لسنوات طويلة حتى قاربت الأربعين من العمر وجدت نفسي تعود للشعر والكتابة ، فجمعت هذه القصائد وكان هذا الديوان باكورة النتاج ، في الحقيقة موقف الشاعر " المعروف " مع سليم كان قاسيا ،وهذا نجده كثيرا بالأوساط الأدبية والفنية وخصوصا من بعض الأسماء الكبيرة التي تتصف بالأنانية وكأن عرش الكتابة أو الفن ملك لهم لا يسمح لأحد بالاقتراب منه أو منازعتهم عليه ، ومن خلال اطلاعي على تجربة سليم المغربي وجدته سليم المبنى والمعنى مغرّب الفكر ولم يكتب شعره من رفاهية فهو ابن قضية ينتمي إليها ، وهذه القضية شعلة بقلبه لن تنطفأ إلا بموته .. ويقول في هذا :
أنا لايشوّه أو يغيّر موقفي
من عذب شلّال القوافي أحرفي
هي شعلة بالقلب تُضرم نارها
إلا بموتي شعلتي لن تنطفي
تنوعت قصائد الديوان في أغراضها وأسلوبها بين العمودي الذي غلب والتفعيلة ، وتنقل بين الغزل والوطن والوجدانيات ، ويفتتح الديوان في إمضاءة عن الحب :
هو فرض عين
كان حقاً نافذاً فصلاة من يهوى بأجر
قصيدتين .
ويخاطب المحبوبة في قصيدة أخرى :
كوني حروف قداسة في أسطري
إني بأسفار الكتابة مصحف
ومن بديع ماتضمنه الديوان :
كل القلوب بماء السعد غارقةٌ
إلا فؤادي ماءَ الهم كم غرفا
أعاقر الكأس والآهات تصحبني
كأنني جسدٌ للآه قد وقفا
عزفت كل لحون الحب من دنفٍ
وكيف قلبك عن ألحاننا عزفا
كانون مر وآذار يواكبني
آن الآوان فقلبي قد كفاه كفى
وعلى وليمة السحر يقول :
ياغايتي في العشق جئت متيماً
إني ملكت من العذابِ نصابي
يرحل المغربي بالتيه والقلق والغرق ليجد نفسه أنه من كوكب ثانٍ به الأبعاد تختلف والأحلام تختلف ولكن به الآمال أحلى ...ويأتي السؤال وماذا بعد ..؟ مع ليلٍ وأنثى وطيف ولمحة وعيناه وشعر :
لا أعرف بحراً أو نهراً أو حتى ساقيةً
للشعرْ
أعرف أن الحرف حياةٌ
ذهبُ الكلمات بريق التبرْ
ويمسك المغربي الخيط والمغزل يحوك به دمعه وينسج الغيم فوق المغزل متسائلا عن إعادة سرد حكاية ألفها ..وعلى انخاب التوت التي عرف مذاقها ، يعود لمملكة الشعر ، مشتاقا ومتسائلا أما عبروا ؟
وفود من حجيج الصمت
خلف مناسك النسيان بعد مسارب
الإقناع
باب الصمت
هل عبروا؟
وبعد الاستفسار والتغزل بالشام تأتي رجوى ويهدأ الغروب ..
سليم المغربي عندما تتصفحه من خلال ديوانه هذا تجده مدينة من الحزن الداخل إليها كالخارج منها بها ، في غزله .. في وجدانياته في قضيته .. هو الحزين النبيل .. وانا اقرأ له أجدني كالمستمع لأغنية عراقية على رغم حزنها يثمل بها ويطرب ، قد لا يستطيع الإجابة عن سؤاله سواه ، ولكني أستطيع القول أن سليم شاعر .. وشاعر ..وشاعر .
إن إدارة الموقع ترحب بجميع اقتراحاتكم وآرائكم وهي على تواصل دائم مع قراء وداعمين الموقع